وإذا كان عمود التاريخ سياقة الحوادث كما أسلفنا، فلا ترغم هذه الحوادث على أن تقع في غير وقتها، وتنفصل عن طبيعتها، وتتصل بغير طبقتها في التاريخ؛ ولذلك رأينا الطريقة المثلى أن نذهب في تأليفنا مذهب الضم لا التفريق، وأن نجعل الكتاب على الأبحاث التي هي معاني الحوادث لا على العصور؛ فنخصص الآداب بالتاريخ، لا التاريخ بالآداب كما يفعلون؛ وبذلك يأخذ كل بحث من مبتدئه إلى منتهاه، متقلبًا على كل عصوره، سواء أتسقت أم افترقت؛ فلا تسقط مادة من موضعها، ولا تقتصر على غير حقيقتها، ولا تلجأ إلى غير مكانها، ثم لا يكون بعد ذلك في التاريخ إلا التاريخ نفسه، لا ما يزين به من العبارة المونقة، ولا ما توصل به الحقائق القليلة من تصورات الخيال وشعر التآليف، إلى أمثال ذلك في مواضع الاستكراه وضيق المضطرب؛ وأمثلته فيما بين أيدينا ماثلة لا تحتاج إلى انتزاع، وهي على نفسها شاهدة فلم يبق في أمرها نزاع.
لست أريد بما أثبته من هذه الكلمة أن أظهر الاستبصار فيما ألفت من هذا الكتاب، أو استطيل بما تهيأ لي من طريقته؛ فذلك مني جهد المقل، وقوة الضعيف الذي لا يمضي حتى يكل، وبعد فما أنا وهذا الأمر؟ وأين أقع منه؟ هل ولدت مع التاريخ فأكون شاهد نشأته، والقاضي في خصومة أهله، ومن إليه الكلمة في الجرح والتعديل، والطرح والتبديل؟ وهل أنا إلا رجل يقرأ ليكتب، ويكتب ليقرأ الناس؛ فإن أصاب فلهم ولا هم، وإن أخطأ فعليه وخلاهم ذم. ولكني أريد أن أصف الطريقة التي انتهجتها، وأبين لم خالفت القوم في نمط التأليف إلى ما ابتدعته، وما هو مبلغهم من العلم فيما يقتحمون من تلك الخطة؛ وأن أنزع في ذلك بالدليل وأدعي بالبينة، مستعيذًا بالله من فتنة القول وزوره، وخطأ الرأي وغروره
وإذا كان عمود التاريخ سياقة الحوادث كما أسلفنا، فلا ترغم هذه الحوادث على أن تقع في غير وقتها، وتنفصل عن طبيعتها، وتتصل بغير طبقتها في التاريخ؛ ولذلك رأينا الطريقة المثلى أن نذهب في تأليفنا مذهب الضم لا التفريق، وأن نجعل الكتاب على الأبحاث التي هي معاني الحوادث لا على العصور؛ فنخصص الآداب بالتاريخ، لا التاريخ بالآداب كما يفعلون؛ وبذلك يأخذ كل بحث من مبتدئه إلى منتهاه، متقلبًا على كل عصوره، سواء أتسقت أم افترقت؛ فلا تسقط مادة من موضعها، ولا تقتصر على غير حقيقتها، ولا تلجأ إلى غير مكانها، ثم لا يكون بعد ذلك في التاريخ إلا التاريخ نفسه، لا ما يزين به من العبارة المونقة، ولا ما توصل به الحقائق القليلة من تصورات الخيال وشعر التآليف، إلى أمثال ذلك في مواضع الاستكراه وضيق المضطرب؛ وأمثلته فيما بين أيدينا ماثلة لا تحتاج إلى انتزاع، وهي على نفسها شاهدة فلم يبق في أمرها نزاع.
وإذا تدبرت طريقتنا هذه، وقابلت آثارها بما شئت من آثار الطريقة الأخرى، وأحكمت ذلك بعقل راجح؛ وأنعمت فيه بنظر غير مدخول رأيت أي هذه الكتب أحسن قيامًا على تاريخ الأدب.. -مصطفى صادق الرافعيكلمات البحث: تأريخ - التاريخ - اداب - أداب - آدب - عرب - مصطفى - صادق - الرافعي - الرافعى - الرفاعي - رافعي