دراسة في طبيعة المجتمع العراقي الوراق

دراسة في طبيعة المجتمع العراقي

دار النشر: الوراق
€15,00 1500
  لقد أجمع علماء الآثار أن العراق كان مهبط حضارة تعدّ من أقدم الحضارات في العالم. وقد شاركته في هذه الميزة مصر، واختلف بعض العلماء حول أيهما أسبق حضارة من الآخر، ونحن لا يهمنا هنا أن يكون العراق له فضل السبق في هذا المضمار. فالذي يهمنا بالدرجة الأولى أن نعرف العراق قد احتضن منذ البداية التاريخ البشري حضارة مزدهرة. وسيان عندنا بعدئذٍ أن تكون هذه الحضارة هي الأولى من نوعها أم الثانية. وظلت الحضارة تراود العراق حيناً بعد حين. وقد مرّ عهد، إبان تأسيس الدولة العباسية، أصبح العراق فيه مركز الحضارة العالمية، حتى صارت عاصمته بغداد بودقة اجتماعية ضخمة تذوب فيها خلاصة ما أبدعه البشر من تراث حضاري حتى ذلك الحين. ونجد العراق من الناحية الأخرى واقعاً على حافة منبع فياض من منابع البداوة هو منبع الجزيرة العربية. فكان العراق منذ بداية تاريخه حتى يومنا هذا يتلقى الموجات البدوية واحدة بعد الأخرى. فكان بعض تلك الموجات يأتيه عن طريق الفتح العسكري، والبعض الآخر منها يأتيه عن طريق التسلسل التدريجي. وكلاً من هذين النوعين من الموجات لا بد أن يؤثر في المجتمع العراقي، قليلاً أو كثيراً، فتنشر فيه القيم البدوية وتحاول التغلغل في مختلف فئاته وطبقاته. هنا نجد الشعب العراقي واقعاً بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية: قيم البداوة الآتية إليه من الصحراء المجاورة، وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم. المتوقع في مثل هذه الحالة أن يعاني الشعب صراعاً اجتماعياً ونفسياً على توالي الأجيال. فهو من ناحية لا يستطيع أن يطمئن إلى قيمه الحضرية زمناً طويلاً؛ لأن الصحراء تمدّه بين كل آونة وأخرى بالموجات التي تقلق عليه طمأنينته الاجتماعية. وهو من الناحية الأخرى لا يستطيع أن يكون بدوياً كابن الصحراء لأن الحضارة المنبعثة من وفرة مياهه وخصوبة أرضه تضطرّه إلى تغيير القيم البدوية الوافدة إليه لكي يجعلها ملائمة لظروفه الخاصة. قد يجوز أن نصف الشعب العراقي بأنه شعب حائر؛ فقد انفتح أمامه طريقان متعاكسان وهو مضطر أن يسير فيهما في آن واحد، فهو يمشي في هذا الطريق حيناً ثم يعود ليمشي في الطريق الآخر حيناً آخر..         كلمات البحث: دراسه - فى - طبيعه - مجتمع - العراقى - عراقي - على - الوردى - علي - الوردي - وردي

 

لقد أجمع علماء الآثار أن العراق كان مهبط حضارة تعدّ من أقدم الحضارات في العالم. وقد شاركته في هذه الميزة مصر، واختلف بعض العلماء حول أيهما أسبق حضارة من الآخر، ونحن لا يهمنا هنا أن يكون العراق له فضل السبق في هذا المضمار. فالذي يهمنا بالدرجة الأولى أن نعرف العراق قد احتضن منذ البداية التاريخ البشري حضارة مزدهرة. وسيان عندنا بعدئذٍ أن تكون هذه الحضارة هي الأولى من نوعها أم الثانية. وظلت الحضارة تراود العراق حيناً بعد حين. وقد مرّ عهد، إبان تأسيس الدولة العباسية، أصبح العراق فيه مركز الحضارة العالمية، حتى صارت عاصمته بغداد بودقة اجتماعية ضخمة تذوب فيها خلاصة ما أبدعه البشر من تراث حضاري حتى ذلك الحين. ونجد العراق من الناحية الأخرى واقعاً على حافة منبع فياض من منابع البداوة هو منبع الجزيرة العربية. فكان العراق منذ بداية تاريخه حتى يومنا هذا يتلقى الموجات البدوية واحدة بعد الأخرى. فكان بعض تلك الموجات يأتيه عن طريق الفتح العسكري، والبعض الآخر منها يأتيه عن طريق التسلسل التدريجي. وكلاً من هذين النوعين من الموجات لا بد أن يؤثر في المجتمع العراقي، قليلاً أو كثيراً، فتنشر فيه القيم البدوية وتحاول التغلغل في مختلف فئاته وطبقاته.


هنا نجد الشعب العراقي واقعاً بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية: قيم البداوة الآتية إليه من الصحراء المجاورة، وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم. المتوقع في مثل هذه الحالة أن يعاني الشعب صراعاً اجتماعياً ونفسياً على توالي الأجيال. فهو من ناحية لا يستطيع أن يطمئن إلى قيمه الحضرية زمناً طويلاً؛ لأن الصحراء تمدّه بين كل آونة وأخرى بالموجات التي تقلق عليه طمأنينته الاجتماعية. وهو من الناحية الأخرى لا يستطيع أن يكون بدوياً كابن الصحراء لأن الحضارة المنبعثة من وفرة مياهه وخصوبة أرضه تضطرّه إلى تغيير القيم البدوية الوافدة إليه لكي يجعلها ملائمة لظروفه الخاصة. قد يجوز أن نصف الشعب العراقي بأنه شعب حائر؛ فقد انفتح أمامه طريقان متعاكسان وهو مضطر أن يسير فيهما في آن واحد، فهو يمشي في هذا الطريق حيناً ثم يعود ليمشي في الطريق الآخر حيناً آخر..  

 

 

 

كلمات البحث: دراسه - فى - طبيعه - مجتمع - العراقى - عراقي - على - الوردى - علي - الوردي - وردي

 

لقد أجمع علماء الآثار أن العراق كان مهبط حضارة تعدّ من أقدم الحضارات في العالم. وقد شاركته في هذه الميزة مصر، واختلف بعض العلماء حول أيهما أسبق حضارة من الآخر، ونحن لا يهمنا هنا أن يكون العراق له فضل السبق في هذا المضمار. فالذي يهمنا بالدرجة الأولى أن نعرف العراق قد احتضن منذ البداية التاريخ البشري حضارة مزدهرة. وسيان عندنا بعدئذٍ أن تكون هذه الحضارة هي الأولى من نوعها أم الثانية. وظلت الحضارة تراود العراق حيناً بعد حين. وقد مرّ عهد، إبان تأسيس الدولة العباسية، أصبح العراق فيه مركز الحضارة العالمية، حتى صارت عاصمته بغداد بودقة اجتماعية ضخمة تذوب فيها خلاصة ما أبدعه البشر من تراث حضاري حتى ذلك الحين. ونجد العراق من الناحية الأخرى واقعاً على حافة منبع فياض من منابع البداوة هو منبع الجزيرة العربية. فكان العراق منذ بداية تاريخه حتى يومنا هذا يتلقى الموجات البدوية واحدة بعد الأخرى. فكان بعض تلك الموجات يأتيه عن طريق الفتح العسكري، والبعض الآخر منها يأتيه عن طريق التسلسل التدريجي. وكلاً من هذين النوعين من الموجات لا بد أن يؤثر في المجتمع العراقي، قليلاً أو كثيراً، فتنشر فيه القيم البدوية وتحاول التغلغل في مختلف فئاته وطبقاته.


هنا نجد الشعب العراقي واقعاً بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية: قيم البداوة الآتية إليه من الصحراء المجاورة، وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم. المتوقع في مثل هذه الحالة أن يعاني الشعب صراعاً اجتماعياً ونفسياً على توالي الأجيال. فهو من ناحية لا يستطيع أن يطمئن إلى قيمه الحضرية زمناً طويلاً؛ لأن الصحراء تمدّه بين كل آونة وأخرى بالموجات التي تقلق عليه طمأنينته الاجتماعية. وهو من الناحية الأخرى لا يستطيع أن يكون بدوياً كابن الصحراء لأن الحضارة المنبعثة من وفرة مياهه وخصوبة أرضه تضطرّه إلى تغيير القيم البدوية الوافدة إليه لكي يجعلها ملائمة لظروفه الخاصة. قد يجوز أن نصف الشعب العراقي بأنه شعب حائر؛ فقد انفتح أمامه طريقان متعاكسان وهو مضطر أن يسير فيهما في آن واحد، فهو يمشي في هذا الطريق حيناً ثم يعود ليمشي في الطريق الآخر حيناً آخر..  

 

 

 

كلمات البحث: دراسه - فى - طبيعه - مجتمع - العراقى - عراقي - على - الوردى - علي - الوردي - وردي

عنوان الكتاب
دراسة في طبيعة المجتمع العراقي
اسم المؤلف
علي الوردي
دار النشر
الوراق
الوزن
0.633
عدد الصفحات
415
نوع الغلاف
كرتون